سورة طه - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


{ثُمَّ اجتباه رَبُّهُ} قربه إليه اصطفاه. وقريء به وأصل الكلمة الجمع يقال جبى إلى كذا فاجتبيته {فَتَابَ عَلَيْهِ} قبل توبته {وهدى} وهداه إلى الاعتذار والاستغفار.
{قَالَ اهبطا مِنْهَا جَمِيعاً} يعني آدم وحواء {بَعْضُكُمْ} يا ذرية آدم {لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} بالتحاسد في الدنيا والاختلاف في الدين {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى} كتاب وشريعة {فَمَنِ اتبع هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ} في الدنيا {وَلاَ يشقى} في العقبى. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ضمن الله لمن اتبع القرآن أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة يعني أن الشقاء في الآخرة هو عقاب من ضل في الدنيا عن طريق الدين، فمن اتبع كتاب الله وامتثل أوامره وانتهى عن نواهيه نجا من الضلال ومن عقابه {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى} عن القرآن {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} ضيقاً وهو مصدر يستوي في الوصف به المذكر والمؤنث. عن ابن جبير: يسلبه القناعة حتى لا يشبع فمع الدين التسليم والقناعة والتوكل فتكون حياته طيبة، ومع الإعراض الحرص والشح فعيشه ضنك وحاله مظلمة كما قال بعض المتصوفة: لا يعرض أحدكم عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته وتشوش عليه رزقه {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى} عن الحجة. عن ابن عباس: أعمى البصر وهو كقوله: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ عُمْيًا} [الإسراء: 97] وهو الوجه {قَالَ رَبّ لِمَ حَشَرْتَنِى أعمى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً} في الدنيا.


{قَالَ كذلك} أي مثل ذلك فعلت أنت. ثم فسر فقال: {أَتَتْكَ اياتنا فَنَسِيتَهَا وكذلك اليوم تنسى} أي أتتك آياتنا واضحة فلم تنظر إليها بعين المعتبر وتركتها وعميت عنها فكذلك اليوم نتركك على عماك ولا نزيل غطاءه عن عينيك.
{وكذلك نَجْزِى مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بئايات رَبّهِ وَلَعَذَابُ الآخرة أَشَدُّ وأبقى} لما توعد المعرض عن ذكره بعقوبتين: المعيشة الضنك في الدنيا وحشره أعمى في العقبى ختم آيات الوعيد بقوله {ولعذاب الآخرة أشد وأبقى} أي للحشر على العمى الذي يزول أبداً أشد من ضيق العيش المنقضي {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} أي الله بدليل قراءة زيد عن يعقوب بالنون {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ القرون يَمْشُونَ} حال من الضمير المجرور في {لهم} {فِى مساكنهم} يريد أن قريشاً يمشون في مساكن عاد وثمود وقوم لوط ويعاينون آثار هلاكهم {إِنَّ فِى ذَلِكَ لأَيَاتٍ لأِوْلِى النهى} لذوي العقول إذا تفكروا علموا أن استئصالهم لكفرهم فلا يفعلون مثل ما فعلوا {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ} أي الحكم بتأخير العذاب عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم {لَكَانَ لِزَاماً} لازماً فاللزام مصدر لزم فوصف به {وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} القيامة وهو معطوف على كلمة، والمعنى ولولا حكم سبق بتأخير العذاب عنهم وأجل مسمى وهو القيامة لكان العذاب لازماً لهم في الدنيا كما لزم القرون الماضية الكافرة.
{فاصبر على مَا يَقُولُونَ} فيك {وَسَبّحْ} وصل {بِحَمْدِ رَبّكَ} في موضع الحال وأنت حامد لربك على أن وفقك للتسبيح وأعانك عليه {قَبْلَ طُلُوعِ الشمس} يعني صلاة الفجر {وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} يعني الظهر والعصر لأنهما واقعتان في النصف الأخير من النهار بين زوال الشمس وغروبها {ومن ءانآي الليل فسبّح وأطراف النهار} أي وتعهد أناء الليل أي ساعاته وأطراف النهار مختصاً لها بصلاتك. وقد تناول التسبيح في آناء الليل وصلاة العتمة، وفي أطراف النهار صلاة المغرب، وصلاة الفجر على التكرار إرادة الاختصاص كما اختصت في قوله {والصلاة الوسطى} [البقرة: 238] عند البعض. وإنما جمع وأطراف النهار وهما طرفان لأمن الإلباس وهو عطف على قبل {لَعَلَّكَ ترضى} لعل للمخاطب أي اذكر الله في هذه الأوقات رجاء أن تنال عند الله ما به ترضى نفسك ويسر قلبك. {وترضى} علي وأبو بكر أي يرضيك ربك.


{وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} أي نظر عينيك ومد النظر تطويله وأن لا يكاد يرده استحساناً للمنظور إليه وإعجاباً به، وفيه أن النظر غير الممدود معفو عنه وذلك أن يباده الشيء بالنظر ثم يغض الطرف. ولقد شدد المتقون في وجوب غض البصر عن أبنية الظلمة وعدد الفسقة في ملابسهم ومراكبهم حتى قال الحسن: لا تنظروا إلى دقدقة هماليج الفسقة، ولكن انظروا كيف يلوح ذل المعصية من تلك الرقاب. وهذا لأنهم إنما اتخذوا هذه الأشياء لعيون النظارة فالناظر إليها محصل لغرضهم ومغر لهم على اتخاذها {إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مّنْهُمْ} أصنافاً من الكفرة ويجوز أن ينتصب حالاً من هاء الضمير والفعل واقع على {منهم} كأنه قال إلى الذي متعنا به وهو أصناف بعضهم وناساً منهم {زَهْرَةَ الحياة الدنيا} زينتها وبهجتها وانتصب على الذم أو على إبداله من محل به أو على إبداله من أزواجا على تقدير ذوي زهرة {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} لنبلوهم حتى يستوجبوا العذاب لوجود الكفران منهم أو لنعذبهم في الآخرة بسببه {وَرِزْقُ رَبّكَ} ثوابه وهو الجنة أو الحلال الكافي {خَيْرٌ وأبقى} مما رزقوا {وَأْمُرْ أَهْلَكَ} أمتك أو أهل بيتك {بالصلاة واصطبر} أنت دوام {عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً} أي لا نسألك أن ترزق نفسك ولا أهلك {نَّحْنُ نَرْزُقُكَ} وإياهم فلا تهتم لأمر الرزق وفرغ بالك لأمر الآخرة لأن من كان في عمل الله كان الله في عمله. وعن عروة بن الزبير أنه كان إذا رأى ما عند السلاطين قرأ: {ولا تمدن عينيك}. الآية ثم ينادي الصلاة، الصلاة رحمكم الله. وكان بكر بن عبد الله المزني إذا أصاب أهله خصاصة قال: قوموا فصلوا بهذا أمر الله ورسوله. وعن مالك بن دينار مثله. وفي بعض المسانيد أنه عليه السلام كان إذا أصاب أهله ضر أمرهم بالصلاة وتلا هذه الآية {والعاقبة للتقوى} أي وحسن العاقبة لأهل التقوى بحذف المضافين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7